كلمة المؤسسةلطالما بخلت أقلام الكتاب لدى الحديث عن المرأة ومكانتها الاجتماعية، وتبع ذلك شحة
مشهودة في كتب المكتبات، ولاسيما الكتب والتأليفات التي تتحدث عن المرأة من زاوية
الانصاف والموضوعية و.. الإنسانية.هذا كله على الرغم من الثراء الموجود والمشهور في
مدرسة القرآن الكريم والعترة النبوية المطهرة التي تحدثت عن المرأة الإنسانة بصورة
موضوعية وتفصيلية. هذا بالإضافة إلى أحاديث وتوصيات علمائنا الأعلام ومراجعنا
الكرام واهتماماتهم الدؤوبة بخصوص رسم النظرة الإنسانية إلى المرأة وتحديد حقوقها
وواجباتها ومسؤولياتها عموماً.
ومن ذلكم؛ التوجيهات والكلمات والمحاضرات التي ألقاها سماحة المرجع الديني آية
الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله فيما يتعلق بالمرأة، والمرأة
المسلمة المؤمنة على وجه الخصوص، انطلاقاً من مكانته وموقعه الديني الكبير الذي
يتمخض عنه الإرشاد والتوجيه، سواء للمرأة بذاتها، أو للرجل وما ينبغي أن تكون نظرته
إليها، مستلهماً ـ بلا ريب ـ ذلك من معين الإسلام الصافي، ليسدّ به فراغاً كبيراً
وخطيراً؛ كثيراً ما حاول المناوئون للدين استغلاله شر استغلال للحط من كرامة المرأة
ودفعها إلى مهاوي السوء، إن على صعيد الفكر والقناعة، أو على صعيد الممارسة والسلوك
والإبتعاد بها عن جادة الحق عموماً.
وهذا الكتاب الذي بين أيديكم ـ أعزاءنا القراء ـ عبارة عن حلقة من حلقات إصدارات
مؤسسة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الثقافية، لاسيما وأن هذا الكتاب قد تزامن
مع مجموعة من المراسلات والطلبات التي رفعها العديد من الإخوة المؤمنين، ومن مختلف
البلدان، يقترحون فيها إصدار انتاجات ثقافية تُعنى بشؤون المرأة، على أن تكون هذه
الانتاجات تعكس المعالجات الناجعة لما يمس المرأة من قريب أو بعيد، وتكون بمثابة
البلسم الشافي والوقاية الأكيدة لما تتعرض له أخت الرجل في عصر أصبح الجميع فيه
مستَهدفين من قبل عدو المرأة والرجل على حد سواء.
فبادرت مؤسسة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الثقافية إلى تلبية هذه الطلبات
معتبرةً إياها تكاليف واجبة التنفيذ، ولتعكس من خلال هذه التلبية نماذج من رؤى
وآراء سماحة السيد المرجع الشيرازي دام ظله في هذا المجال.. وهو المعروف بشديد
اهتمامه وحرصه على رفد الساحة الثقافية والإسلامية بالأفكار الفذة والتوجيهات
القيمة.
وما توفيقنا إلا بالله مؤسسة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الثقافية مقدّمةالمُعدّ الحمد لله ربّ العالمين، الذي خلق الناس من ذكر وأنثى، وجعلهم شعوباً وقبائل
ليتعارفوا، واعتبر أكرمهم عنده أتقاهم. وأفضل صلواته على أكرم خلقه وأشرفهم
وأفضلهم وسيدهم، المبعوث رحمة للناس كافة، المرسل بالشريعة السمحاء، حبيبه
وصفيّه وأمينه، خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا النبي الأكرم محمد بن
عبد الله، وعلى السادة الأخيار، والقادة الأبرار، الأئمة الهداة الأطهار من آله
الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.قد
يكون أهمُّ ما يميِّز الإسلام في موقفه من المرأة عن غيره من المبادئ والنُّظم
التي عاشَتْ قبله واستجدَّت بعده، هو نظرته الإنسانية إلى المرأة والرجل على
السواء في كل تشريعاته ومفاهيمه، ونظرته للمرأة بما هي أنثى إلى صف نظرته للرجل
بما هو ذكر.فالإسلام حين ينظر إلى الرجل بوصفه إنساناً وينظّمه ويوجّهه، ينظر
إلى المرأة باعتبارها إنساناً أيضاً، ويساويها مع الرجل على الصعيد الإنساني في
كل تنظيماته وتوجيهاته، لأنهما سواء في كرامة الإنسانية وحاجاتها
ومتطلباتها.وأما حين ينظر الإسلام إلى المرأة بما هي أنثى وينظم أنوثتها
ويوجهها، ينظر في مقابل ذلك إلى الرجل باعتباره ذكراً، فيفرض على كل منهما من
الواجبات، ويعطي لكل منها من الحقوق، ما يتَّفق مع طبيعته، وفقاً لمبدأ تقسيم
المسؤوليات بين أفراد المجتمع، وتنشأ عن ذلك الفروق بين أحكام المرأة وأحكام
الرجل. فمَرَدُّ الفرق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل إلى تقدير حاجات ومتطلبات
الأنوثة والذكورة، وتحديد كل منهما وفقاً لمقتضيات طبيعته.
أما في مجال التنظيم الذي يرتبط بإنسانية الإنسان فلا فرق فيه بين المرأة
والرجل، لأنهما في نظر الإسلام إنسان على السواء، فالإسلام وحده هو الذي نظر إلى
المرأة نظرة إنسانية على قدم المساواة مع الرجل، بينما لم تنظر الحضارات الأخرى
وحتى الحضارة الأوربية الحديثة إلى المرأة إلا بوصفها أنثى، وتعبيراً عن المتعة
والتسلية.والموقف الحضاري لكل مجتمع من المرأة ينعكس بدرجة كبيرة، بمقدار تغلغل تلك
الحضارة على دور المرأة في تاريخ ذلك المجتمع، وطبيعة موقفها من الأحداث. فالمرأة
في مجتمع يؤمن بإنسانية المرأة والرجل على السواء تمارس دورها الاجتماعي بوصفها
إنساناً، فتساهم مع الرجل في مختلف الحقول الإنسانية، وتقدم أروع النماذج في تلك
الحقول نتيجة للاعتراف بمساواتها مع الرجل على الصعيد الإنساني. وعلى العكس من ذلك
المرأة في مجتمع ينظر إليها بوصفها أنثى، قبل أن ينظر إليها بوصفها إنساناً، فإنها
تنكمش وفقاً لهذه النظرة، وتحرم من ممارسة أيّ دور يقوم على أساس إنساني، بل يرغمها
المجتمع على التعويض عن ذلك بمختلف ألوان الظهور على أساس أنوثتها، وما تعبِّر عنه
من متعة ولذَّة للرجل.
ونجد خير مصداق لذلك في تاريخ المرأة التي عاشت في كنف الإسلام، وفي ظِلِّ مختلف
الحضارات الأخرى، فكان دورها ومختلف بطولاتها تتكيَّف وفقاً لطبيعة المبدأ ومفهومه
الحضاري عنها. فقد عبَّرت في ظِلِّ الإسلام عن إنسانيتها أروع تعبير، وأقامت
بطولاتها على هذا الأساس، بينما لم تعبِّر في المجتمعات الأخرى غير الإسلامية إلا
عن أنوثتها، ولم يتح لها أن تقيم لها مَجداً إلاَّ على أساس هذه الأنوثة، وبقدر ما
فيها من وسائل الإغراء للرجال، لا على أساس إنسانيتها، وبقدر ما فيها من طاقات
الخير والإصلاح.
بطولات المرأة المسلمة:أما المرأة المسلمة فقد اعتمدت ببطولتها على إنسانيتها، فبعد أن تبوَّأت مكانتها
السامية في الإسلام على حسابها الخاص، وعلى كونها إنسانة كالرجل المسلم، لها ما له
وعليها ما عليه، وإن اختلفت عنه بالوظائف والتكاليف التي وزعت على البشر كل حسب ما
تتطلبه فطرته ويقتضيه تكوينه. ولكونها في الصعيد العام إنسانة كالرجل برزت شخصيتها
لامعة وضَّاءة وسجلت لها في التاريخ ذكراً عطراً كأروع ما تسجله إنسانة مستقلة لها
عقيدتها ورسالتها السماوية.
وقد عرفت المرأة المسلمة قِيمة النصر الذي أحرزَتْه، والمستوى الرفيع الذي
ارتقَتْ إليه بعد أن قَضَتْ عصوراً عاشتها وهي في مهملات التاريخ، ولهذا فقد سَعَتْ
جاهدة للعمل على إثبات كفاءتها لذلك.
وكان في كثرة النساء المبادرات للإسلام أصدق دليل على ما حمله الإسلام للمرأة
المسلمة من خير وصلاح، وما هيَّأ لها من محلِّ رفيع. وفعلاً فقد سجّلت المرأة
المسلمة في التاريخ الإسلامي أروع صفحات كتبتها بالتضحية والفداء، وخطَّتها بدماء
الآباء والأبناء، بعد أن أكَّد الإسلام على اعتبارها في الصعيد الإنساني كأخيها
الرجل لا أكثر ولا أقل.
فكما أن بطولة الرجل المسلم كانت في مجالين وفي اتجاهين، في مجال التضحية
والجهاد، وفي مجال الدعوة إلى الله تعالى، كانت بطولة المرأة المسلمة أيضا في نفس
المجالين، وفي كلا الصعيدين كانت تعمل كإنسانة لا كأنثى.
أما على صعيد حمل الفكرة، ونشر الثقافة الإسلامية، ومفاهيم الشريعة الجديدة
وأحكامها، فما أكثر النساء اللَّواتي أخذْنَ الإسلام من منبعه الزاخر، فبشَّرن به
ودعون إليه، بعد أن تعمَّقن في فهمه، وكنَّ مدارس إسلامية يَروين عن النبي ويُروى
عنهُنَّ.
وفي طليعة الراويات عن النبي صلى الله عليه وآله والناشرات لأحكام الإسلام
الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فقد روت عن أبيها صلى الله عليه
وآله، وروى عنها ابناها الحسن والحسين سلام الله عليهما، وزوجها الإمام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وأم سلمة، وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين
وغيرها. وروت عن الرسول صلى الله عليه وآله أيضاً أسماء بنت عُميس الخثعمية، وروت
عنها أمُّ جعفر وأُم محمد ابنتا محمد بن جعفر.
المرأة المسلمة في الوقت الحاضر:المرأة المسلمة اليوم هي بنت تلك المرأة المسلمة التي عرضت صدرها لحراب الأعداء،
وشهدت بعينها قتل الآباء والأبناء، فما الذي يقعد بالمرأة المسلمة البنت عن أن تعيد
تاريخ المرأة المسلمة الأم، وأن تقفو خطواتها في الحياة؟! لا شيء غير أنها افتقدت
وبالتدريج ونتيجة لابتعادها عن روح الإسلام الحقيقية إنسانيتها، وعادت مجرد أنثى
تتلاعب بها الأهواء والتيارات، وتسخرها ميول الرجال، ويستهويها كُلُّ لمح كاذبٍ أو
وميض خادع.
ولهذا فقد وقعت في أحابيل شائكة شوَّهت أنوثتها وأفقدتها شخصيتها كإنسانة في
الحياة، فهي مَهما سمَتْ أَمْ حاوَلت السمو لن تتمكن أن تسمو كإنسانة مستقلة، ما
دامت تخضع لأحكام الرجل في اتِّخاذ طريقتها في الحياة، وتتبع ما يمليه عليها من
أساليب الخلاعة الرخيصة.فما الذي يمنع المرأة المسلمة اليوم من أن تشقَّ طريقها في
الحياة ثقافة وعملاً مع محافظتها على عفتها الذي يلزمها الإسلام به؟!، لا شيء غير
غضب الرجال لذلك، وسخطهم عليه، لأنه سوف يحول دون متعة استجلاء مفاتن المرأة
ومحاسنها.فهل التبرج من شروط طلب العلم؟ أم هل الخلاعة والتهتك من شروط الثقافة
والتمدن؟ كلا وألف كلا، ليس للتبرج ولا للخلاعة أي دخلٍ من قريب أو بعيد في العلم
والثقافة، ويمكن التمييز بينها وبسهولة أيضاً متى ما عادت المرأة المسلمة، وأحسّت
بوجودها كإنسانة لا كأداة من أدوات إرضاء الرجل. ولكن أعداء الإسلام لن يسمحوا بفرز
العلم عن السفور والثقافة عن الخلاعة، فهم يحاولون بشتَّى الأساليب المُغرية ربط
الاثنين معاً ليحطُّوا من شأن المرأة المسلمة ومن مكانتها في العالم.
هذا الكتاب:الكتاب الذي بين يديكِ ـ أختي القارئة ـ يضم بين طياته بعض إرشادات وتوجيهات
ووصايا المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله،
انتخبتها من كلمات ومحاضرات سماحته التي ألقاها في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة
في الأعوام (1423 و1424 و1425 و1426 و1427 و1428 للهجرة) بمجاميع نسوية مختلفة، من
طالبات ومدرّسات الحوزة والجامعة، والناشطات في المجالات الدينية والثقافية
والاجتماعية، كنّ قد وفدن من بلدان عديدة كالعراق، ودول الخليج، وأفغانستان،
وباكستان، وأفريقيا، ولبنان، ومن داخل إيران، وبعض الدول الأوروبية لزيارة سماحته
والاستفادة من توجيهاته القيمة. وقد قمت بإدخال بعض التغييرات البسيطة على الكتاب
ليناسب نشره. ورتّبت مواضيعه حسب الأهمية. وأملي الفائدة من هذا الكتاب لتطلع
المرأة وخصوصاً المسلمة على مجمل عقائد الإسلام، وأصوله، وفروعه، وأحكامه، وأخلاقه،
وآدابه، وعلى مكانتها، ودورها، ومسؤوليتها التي قررّها لها دين الإسلام، وما حققها
لها من معاني الكرامة والحرية، والمساواة في الحقوق والمسؤولية والإنسانية.
راجياً من الله العلي القدير القبول، فهو جلّ وعلا من وراء القصد.
علاء حسين الكاظمي
20 جمادى الآخرة 1428 للهجرة