منتدى الزهراء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الزهراء

¤¦¤`•.•`منورنا ياღ زائر ღلاتنسى الصلاة على محمد وال محمد ¤¦¤`•.•`
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 **كتاب مظلومية الزهراء ع للسيد علي الحسيني الميلاني** (المطلب الاول عند الله وعندالرسول)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
انيس الروح
`•.•`ღ المشرفة على منتدى الزواج `•.•`ღ
`•.•`ღ المشرفة على منتدى الزواج `•.•`ღ
انيس الروح


انثى
المزاج : حزينة
صور المزاج : **كتاب مظلومية الزهراء ع للسيد علي الحسيني الميلاني** (المطلب الاول عند الله وعندالرسول) 910
عدد الرسائل : 1394
تاريخ التسجيل : 17/06/2009

**كتاب مظلومية الزهراء ع للسيد علي الحسيني الميلاني** (المطلب الاول عند الله وعندالرسول) Empty
مُساهمةموضوع: **كتاب مظلومية الزهراء ع للسيد علي الحسيني الميلاني** (المطلب الاول عند الله وعندالرسول)   **كتاب مظلومية الزهراء ع للسيد علي الحسيني الميلاني** (المطلب الاول عند الله وعندالرسول) Emptyالجمعة سبتمبر 10, 2010 8:32 am

مركز الأبحاث العقائدية ـ سلسلة الندوات العقائدية (21) و (22)
مظلوميّة الزهراء (عليها السلام)


تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني


مقدّمة المركز
لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائديّة المختصّة، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

الصفحة 6
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.

وأخيراً، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان «سلسلة الندوات العقائدية» بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.

مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون

الصفحة 7
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.

موضوع البحث ـ كما طلبتم ـ مظلوميّة الزهراء (عليها السلام)، ولماذا لم تقولوا مناقب الزهراء ؟ أو لم تقولوا حياة الزهراء ؟ وإنما عنونتم مظلوميّة الزهراء.

قد يقال ـ كما قيل ـ قضايا الزهراء سلام الله عليها قضايا تاريخية، ولا ينبغي أن تثار، والقضيّة التاريخية قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة.

سنحاول أن نبحث عن هذه القضية بلا أيّ تعصب وتشنج، وإنْ كان الصبر على ما وقع، وقراءة ما وقع، والحديث عمّا وقع،

الصفحة 8
وتحمل ذلك كلّه أمراً صعباً، سترون أنّي لا أذكر شيئاً لا من مصادر القوم فحسب، بل من أعظم مصادرهم، وأشهر كتبهم، وأصح كتبهم، وأسبق كتبهم وأقدمها، سأحاول ذلك قدر الامكان.

ولو كانت قضيةً تاريخيةً فحسب، فحروب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وغزواته كلّها قضايا تاريخية، ومواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في تلك الغزوات والحروب قضايا تاريخية، ومبيت أمير المؤمنين في ليلة الهجرة على فراش رسول الله قضية تاريخية، وزواج علي من فاطمة الزهراء ـ بعد أن ردّ رسول الله غيره ـ قضية تاريخية، وحروبه أيضاً قضايا تاريخية، وقضية كربلاء وشهادة الحسين (عليه السلام)وأصحابه وأولاده قضية تاريخية، فلماذا نبحث عنها ؟

وحتى عند أهل السنة أيضاً: كون أبي بكر مع رسول الله في الغار قضية تاريخية، صلاته التي يزعمونها في مكان رسول الله في مرضه قضية تاريخية، وهكذا بقية الاُمور التي يستدلّون بها في كتبهم بزعمهم على فضائل أئمّتهم ومناقب أُمرائهم وخلفائهم.

الحقيقة أنّ قضية الزهراء سلام الله عليها أساس مذهبنا، وجميع القضايا التي لحقت تلك القضية وتأخّرت عنها كلّها مترتبة على تلك القضية، ومذهب الطائفة الامامية الاثني عشرية بلا قضية الزهراء سلام الله عليها وبلا تلك الاثار المترتبة على تلك القضية ـ

الصفحة 9
هذا المذهب ـ يذهب ولا يبقى، ولا يكون فرقٌ بينه وبين المذهب المقابل.

سنبحث عن قضية الزهراء سلام الله عليها في ضمن مطالب، وهذه المطالب مترتبة، أي كل مطلب منها يترتب على المطلب الذي قبله، حتى نصل إلى المطلب الاخير، ونستنتج من جميع هذه المطالب، ثم نذكر أهمّ مسائل القضيّة، وسترون أنها قضية علميّة عقائدية مذهبية، لها كلّ التأثير في مصير هذا المذهب، ولها كلّ التأثير في سلوك أبناء هذا المذهب، وإليكم المطالب بالتفصيل:

الصفحة 10
الصفحة 11
أحاديث في مقام الزهراء (عليها السلام) ومنزلتها
المطلب الاول: عند الله وعند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
الاحاديث في هذا الباب كثيرة، حتى أن عدّةً من علماء الفريقين دوّنوها في كتب مفردة، وقد انتخبت من تلك الاحاديث هذه الاحاديث التي سأقرؤها، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمّها:

الحديث الاول:

«فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»، أو «سيّدة نساء هذه الاُمّة»، أو «سيّدة نساء المؤمنين»، أو «سيّدة نساء العالمين».

هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في: صحيح البخاري

الصفحة 12
في كتاب بدء الخلق، وفي مسند أحمد، وفي الخصائص للنسائي، وفي مسند أبي داود الطيالسي، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء، وفي المستدرك وصحيح الترمذي، وفي صحيح ابن ماجة، وغيرها من الكتب(1) .

ففاطمة سيّدة نساء العالمين من الاوّلين والاخرين.

الحديث الثاني:

في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي:

«فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني».

هذا الحديث بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، وعدّة من المصادر(2) .

«فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها».

بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، ومسند أحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح مسلم، وغيرها من المصادر(3) .

____________

(1) الخصائص للنسائي: 34، الطبقات 2 / 40، مسند أحمد 6 / 282 حلية الاولياء 2/39، المستدرك 3 / 151.

(2) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة (عليها السلام).

(3) مسند أحمد 4 / 328.

الصفحة 13
«إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها».

بهذا اللفظ في: صحيح مسلم(1) .

«إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها».

بهذا اللفظ في: مسند أحمد وفي المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفي صحيح الترمذي(2) .

«فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها».

بهذا اللفظ في: المسند، وفي المستدرك وقال: صحيح الاسناد، وفي مصادر أُخرى(3) .

الحديث الثالث:

«إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها».

هذا الحديث تجدونه في: المستدرك، وفي الاصابة، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم، ورواه غيرهم(4) .

____________

(1) صحيح مسلم، باب مناقب فاطمة (عليها السلام).

(2)مسند أحمد 4 / 5، المستدرك 3 / 159.

(3) المستدرك 3 / 158، مسند أحمد 4 / 323.

(4) المستدرك على الصحيحين 3 / 153، كنز العمال 13 / 674، 12 / 111.

الصفحة 14

الحديث الرابع:

في أنّ النبي أسرّ إليها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.

هذا كان عند وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه دعاها فسارّها فبكت، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت [ في بعض الالفاظ: فشقّ ذلك على عائشة أن يكون سارّها دونها ] فلمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلّفتها عائشة أنْ تخبرها، فقالت: سارّني رسول الله أو سارّني النبي، فأخبرني أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيتُ، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكتُ.

هذا الحديث في: الصحيحين، وعند الترمذي والحاكم، وغيرهما(1) .

الحديث الخامس:

عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها.

هذا الحديث تجدونه في: المستدرك وقال: صحيح على

____________

(1) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق، صحيح مسلم فضائل فاطمة، صحيح الترمذي، المستدرك 4 / 272.

الصفحة 15
شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي، وفي الاستيعاب، وفي حلية الاولياء(1) .

الحديث السادس:

عن عائشة أيضاً: كانت إذا دخلت عليه ـ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ـ قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي أيضاً(2) .

الحديث السابع:

أخرج الطبراني أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)قال لعلي: «فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها».

قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(3) .

هذه هي الاحاديث التي انتخبتها، لتكون مقدمةً لبحوثنا

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 160، حلية الاولياء 2 / 41، الاستيعاب 4 / 1896.

(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 154.

(3) مجمع الزوائد 9 / 202.

الصفحة 16
الاتية، وسنستنتج من هذه الاحاديث في المطالب اللاحقة، وفي الحوادث الواقعة، وهي أحاديث ـ كما رأيتم ـ في المصادر المهمّة بأسانيد صحيحة، ودلالاتها أيضاً لا تقبل أيّ مناقشة.

ومن دلالات هذه الاحاديث: إنّ فاطمة سلام الله عليها معصومة، بالاضافة إلى دلالة آية التطهير وغيرها من الادلة.

مضافاً إلى أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام الله عليها من الشيخين، بسبب هذه الاحاديث وحديث «فاطمة بضعة منّي» بالخصوص، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الاربعة كلّهم، ولا مستند لهم إلاّ الاحاديث التي ذكرتها.

ولاقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل على بعض الاقوال من كبار علماء القوم، ففي فيض القدير في شرح حديث «فاطمة بضعة منّي» قال: استدل به السهيلي [ وهو حافظ كبير من علمائهم، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب ]على أن من سبّها كفر [ ولماذا ؟ لاحظوا ] لانّه يغضبه [ أي لانّ سبّها يغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ! إستدل به السهيلي على أن من سبّها كفر لانّه يغضبه ] وأنّها أفضل من الشيخين.

وإذا كانت هذه اللام لام تعليل «لانّه يغضبه»، والعلة إمّا

الصفحة 17
معمّمة وإمّا مخصّصة، ولابد أنْ تكون هنا معمّمة، يوجب الكفر، لانّه أي السب يغضبها، فيكون أذاها أيضاً موجباً للكفر، لان الاذى ـ أذى الزهراء سلام الله عليها ـ يغضب رسول الله بلا إشكال.

قال المنّاوي: قال ابن حجر: وفيه ـ أي في هذا الحديث ـ تحريم أذى من يتأذّى المصطفى بأذيّته، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يتأذّى به بشهادة هذا الخبر، ولا شيء أعظم من إدخال الاذى عليها في ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الاخرة أشد.

ففي هذاالحديث تحريم أذى فاطمة، وتحريم أذى فاطمة لانّها بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.

وقال المنّاوي: قال السبكي: الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.

قال المنّاوي: قال شهاب الدين ابن حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.

قال المنّاوي: وذكر العَلَم العراقي: إنّ فاطمة وأخاها إبراهيم

الصفحة 18
أفضل من الخلفاء الاربعة باتفاق(1) .

إذن، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين، وأن أذاها موجب للدخول في النار.

ثمّ إنّ هذه الاحاديث ـ كما قرأنا وسمعتم وترون ـ أحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد، عندما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة» لا يقول إنْ كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إنْ كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أيّ تقييد، إن الله يغضب لغضب فاطمة، هذا الغضب بأيّ سبب كان، ومن أيّ أحد كان، وفي أيّ زمان، أو أيّ وقت كان. وعندما يقول: «يؤذيني ما آذاها»، لا يقول رسول الله: يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا، إنْ كان المؤذي فلاناً، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أيّ قيد، بل الحديث مطلق «يؤذيني ما آذاها».

ودلّت الاحاديث هذه على وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام الله عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسول الله قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.

____________

(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 / 421.

الصفحة 19
المطلب الثاني: في أنّ من آذى عليّاً (عليه السلام) فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كان المطلب الاوّل في أنّ من آذى فاطمة فقد آذى رسول الله، وهذا المطلب الثاني في أنّ من آذى عليّاً فقد آذى رسول الله، وذاك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من آذى عليّاً فقد آذاني».

هذا الحديث تجدونه في: المسند، وفي صحيح ابن حبّان، وفي المستدرك، وفي الاصابة، وأُسد الغابة، وأورده صاحب كنز العمّال عن ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني، وله أيضاً مصادر أُخرى(1) .

____________

(1) مسند أحمد 3 / 483، المستدرك 3 / 122، مجمع الزوائد 9 / 129، أُسد الغابة والاصابة بترجمته عن عدّة من الائمة، كنز العمال 11 / 601.

الصفحة 20
الصفحة 21
الصفحة 22
المطلب الثالث: في أنّ بغض علي (عليه السلام) نفاق
أخرج مسلم في صحيحه عن علي (عليه السلام) قال: «والذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبرأ النَسَمة، إنّه لعهد النبي الاُمّي إليّ [ وهل يكون التأكيد بأكثر من هذا ؟ ] أنْ لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق».

تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند: النسائي، والترمذي، وابن ماجة، وفي مسند أحمد، وفي المستدرك، وفي كنز العمال عن عدة من كبار الائمّة(1) .

وفي مسند أحمد وصحيح الترمذي عن أُم سلمة: كان رسول الله يقول [ هذه الصيغة تدل على الاستمرار ] كان رسول الله يقول:

____________

(1) مسند أحمد 1 / 84، 128، صحيح مسلم كتاب الايمان، كنز العمال 13 / 120 رقم 36385.

الصفحة 23
«لا يحب عليّاً منافق ولا يبغضه مؤمن»(1) .

نستفيد من هذه الاحاديث في هذا المطلب: إنّ حبّ علي وحبّ المنافقين لا يجتمعان، لو أنّ أحداً يعتقد حتّى بإمامة علي وولايته بعد رسول الله، إلاّ أنّه لا يبغض المنافقين، هذا الشخص هو أيضاً منافق، وهو مطرود من الطرفين، أي من المؤمنين ومن المنافقين، لانّ المنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد، ولانّ المؤمنين لا يحبّون المنافقين وهذا يحب.

ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ حال من الاحوال، وبأيّ شكل من الاشكال.

____________

(1) مسند أحمد 6 / 292.

الصفحة 24
في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام)
المطلب الرابع: بأنّ الاُمّة ستغدر به
قال علي (عليه السلام): «إنّه ممّا عهد إليّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الاُمّة ستغدر بي بعده».

قال الحاكم: صحيح الاسناد، وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح(1) ، وقد قرّروا أنّ كلّ حديث وافق الذهبي فيه الحاكم النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين.

ومن رواة هذا الحديث أيضاً: ابن أبي شيبة، والبزّار، والدارقطني والخطيب البغدادي، والبيهقي، وغيرهم.

____________

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 140، 142.

الصفحة 25
الصفحة 26
المطلب الخامس: ضغائن في صدور أقوام
أخرج أبو يعلى والبزّار ـ بسند صحّحه: الحاكم، والذهبي، وابن حبّان، وغيرهم ـ عن علي (عليه السلام) قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال: إنّ لك في الجنّة أحسن منها، ثمّ مررنا بأُخرى فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! قال: لك في الجنّة أحسن منها، حتّى مررنا بسبع حدائق، كلّ ذلك أقول ما أحسنها ويقول: لك في الجنّة أحسن منها، فلمّا خلا لي الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً، قلت: يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي، قال: قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك».

الصفحة 27
هذا اللفظ في: مجمع الزوائد عن: أبي يعلى والبزّار(1) ، ونفس السند موجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم)والذهبي((2) ، فيكون سنده صحيحاً يقيناً، لكن اللفظ في المستدرك مختصر وذيله غير مذكور، والله أعلم ممّن هذا التصرف، هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين ؟ فراجعوا، السند نفس السند عند أبي يعلى وعند البزّار وعند الحاكم، والحاكم يصحّحه والذهبي يوافقه، إلاّ أنّ الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل، لانّه إلى حدّ «إنّ لك في الجنّة أحسن منها» لا أكثر.

وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أنّ «الاقوام» المراد منهم في هذا الحديث «هم قريش»، وفي المطلب السادس أيضاً بعض الاحاديث تدلّ على ذلك، فلاحظوا.

____________

(1) مجمع الزوائد 9 / 118.

(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 139.

الصفحة 28
المطلب السادس: في أنّ قريشاً هم سبب هلاك الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «يهلك أُمّتي هذا الحي من قريش»، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: «لو أنّ الناس اعتزلوهم».

وعن أبي هريرة أيضاً قال: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلاك أُمّتي على يدي غلمة من قريش»، فقالوا: مروان غلمة ؟ قال أبو هريرة: إن شئت أنْ أُسمّيه، بني فلان، بني فلان.

والحديثان في الصحيحين(1) .

____________

(1) وأخرجه أحمد 2 / 324، 288، 299، 520.

الصفحة 29
الصفحة 30
المطلب السابع: لم يروَ من الضغائن والغدر إلاّ القليل
وهذا المطلب مهم جدّاً، فالغدر الذي كان، والضغائن التي بدت ـ التي سبق وأنْ أخبر عنها رسول الله ـ لم يروَ منها في الكتب إلاّ القليل، والسبب واضح، لانّهم منعوا من تدوين الحديث، وعندما دُوّن، فقد دوّن على يد بني أُميّة وفي عهدهم، وهذا حال السنّة، أي السنّة عند أهل السنّة.

ثمّ إنّ من كان عنده شيء من تلك الاُمور التي أشار إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يروه، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره، ومن نقله إلى الاخرين، حتّى أنّ من كان عنده كتاب فيه شيء من تلك القضايا، أخذوه منه، أو أخفاه ولم يظهره لاحد، أذكر لكم موارد من هذا القبيل:

قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همّام الصنعاني

الصفحة 31
في كتاب الكامل: ولعبد الرزاق بن همّام [ هذا شيخ البخاري ]أصناف حديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمّتهم وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلاّ أنّهم نسبوه إلى التشيّع، وقد روى أحاديث في الفضائل ممّا لا يوافقه عليها أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الاحاديث، ولما رواه في مثالب غيرهم ممّا لم أذكره في كتابي هذا، وأمّا في باب الصدق فأرجو أنّه لا بأس به، إلاّ أنّه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير(1) .

وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ـ الحافظ الكبير ـ يقول ابن عدي: سمعت عبدان يقول: وحمل ابن خراش إلى بندار جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم.

فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟

قال ابن عدي: فأمّا الحديث فأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب(2) .

فالرجل ليس بكاذب، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي أو راجعتم تذكرة الحفّاظ للذهبي، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب، ويتهجّم على ابن خراش ويشتمه ويسبّه سبّ الذين

____________

(1) الكامل في الضعفاء 6 / 545.

(2) الكامل في الضعفاء 5 / 519.

الصفحة 32
كفروا(1) .

ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة، وذلك، لانّ هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل، ويعتمدون على آرائه في ردّ الراوي أو قبوله، أذكر لكم مورداً واحداً، يقول ابن خراش بترجمة عبدالله بن شقيق، وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول: قال ابن خراش: كان ـ عبدالله بن شقيق ـ ثقة وكان عثمانياً يبغض عليّاً(2) .

فابن خراش ليس بشيعي، لانّه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنّه كان عثمانيّاً يبغض عليّاً.

فلا يتوهّم أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة، بل هو من أعلام أهل السنّة ومن كبار حفّاظهم، إلاّ أنّه ألّف جزئين في مثالب الشيخين.

مورد آخر في كتاب العلل لاحمد بن حنبل، قال أحمد: كان أبو عوانة [ الذي هو من كبار محدّثيهم وحفّاظهم، وله كتاب في الصحيح اسمه: صحيح أبي عوانة ] وضع كتاباً فيه معايب أصحاب

____________

(1) سير أعلام النبلاء 13 / 509، تذكرة الحفاظ 2 / 684، ميزان الاعتدال 2 / 600.

(2) تهذيب التهذيب 5 / 223.

الصفحة 33
رسول الله، وفيه بلايا، فجاء سلاّم بن أبي مطيع(1) فقال: يا أبا عوانة، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه، فأخذه سلاّم فأحرقه(2) .

ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبدالرحمن بن مهدي(3) قال: فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله(4) .

فهذا يستغفر الله من أنّه نظر في هذا الكتاب، والشخص الاخر جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا.

مورد آخر: ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الاشقر: أنّ أحمد بن حنبل حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب [ فهو حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب ] فقيل له: إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر، وإنّه صنّف باباً في معايبهما، فقال: ليس هذا بأهل أنْ يحدَّث عنه(5) !

أوّلاً:

أين ذاك الباب الذي اشتمل على هذه القضايا ؟ ولماذا لم يصل إلينا ؟

وثانياً:

إنّه بمجرَّد أنْ علم أحمد بن حنبل بأنّ الرجل

____________

(1) الامام الثقة القدوة، من رجال الصحيحين. سير أعلام النبلاء 7/428.

(2) كتاب العلل والرجال 1 / 60.

(3) الامام الناقد المجوّد سيد الحفاظ. سير أعلام النبلاء 9 / 192.

(4) كتاب العلل والرجال 3 / 92 الطبعة الحديثة.

(5) تهذيب التهذيب 2 / 291.

الصفحة 34
يحدّث في الشيخين، وبأنّه صنّف مثل هذه الاحاديث في كتاب، سقط من عين أحمد وأصبح كذّاباً لا يعتمد عليه ولا يروى عنه !

مورد آخر: في ميزان الاعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن زهير الكوفي: قال أبو حاتم: روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه(1) .

روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه، فراحت تلك الروايات.

وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب.

ثمّ إنّهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح، ذكروا أنّه كان يشتم أبا بكر وعمر، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبدالرحمن السُدّي(2) ، وبترجمة تليد بن سليمان(3) ، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي(4) ، وغير هؤلاء.

ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شيء أو أشياء، ممّا

____________

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 27.

(2) تهذيب التهذيب 1 / 274.

(3) تهذيب الكمال 4 / 322.

(4) تهذيب التهذيب 2 / 82 ـ 83.

الصفحة 35
أدّى وسبّب في أنْ يجوّزوا لانفسهم أن يشتموا ويسبّوا ؟ وأين تلك القضايا وماهي ؟

وأمّا ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفّاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية، فكثير جدّاً، وأعتقد أنّه لا يحصى لكثرته.

ولقد فشى وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث، يقول زائدة بن قدامة ـ ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث ـ: متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ؟!(1) .

وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة، جاء أحدهم ـ وهو الحافظ المحدّث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي ـ فألّف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه، فلمّا سئل عن ذلك، قال بلفظ العبارة: إنّما قصدت كفّ الالسنة عن لعن الخلفاء(2) .

حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في شرح المقاصد ما نصّه: فإن قيل: فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك

____________

(1) تهذيب التهذيب 3 / 264.

(2) سير أعلام النبلاء 21 / 161.

الصفحة 36
ويزيد ؟ قلنا: تحامياً عن أن يرتقى إلى الاعلى فالاعلى(1) .

حتّى جاء كتّاب عصرنا، فألّفوا في مناقب يزيد، وألّفوا في مناقب الحجّاج، وألّفوا في مناقب هند !!

وإنّي أعتقد أنّهم يعلمون بأنّ هذه المناقب والفضائل، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم، كلّه كذب، وإنّ هؤلاء يستحقّون اللعن، إلاّ أنّ الغرض هو إشغال الكتّاب والباحثين والمفكّرين وسائر الناس بمثل هذه الاُمور، ولكي لا يبقى هناك مجال لان يرتقى إلى الاعلى فالاعلى.

ومن هنا نفهم: إنّ محاربتهم لقضايا الحسين (عليه السلام)ومحاربتم لمآتم الحسين (عليه السلام) ولقضايا عاشوراء، كلّ ذلك، لئلاّ يلعن يزيد، ولئلاّ ينتهى إلى الاعلى فالاعلى.

____________

(1) شرح المقاصد 5 / 311.

next page

fehrest page
المطلب السابع: لم يروَ من الضغائن والغدر إلاّ القليل
وهذا المطلب مهم جدّاً، فالغدر الذي كان، والضغائن التي بدت ـ التي سبق وأنْ أخبر عنها رسول الله ـ لم يروَ منها في الكتب إلاّ القليل، والسبب واضح، لانّهم منعوا من تدوين الحديث، وعندما دُوّن، فقد دوّن على يد بني أُميّة وفي عهدهم، وهذا حال السنّة، أي السنّة عند أهل السنّة.

ثمّ إنّ من كان عنده شيء من تلك الاُمور التي أشار إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يروه، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره، ومن نقله إلى الاخرين، حتّى أنّ من كان عنده كتاب فيه شيء من تلك القضايا، أخذوه منه، أو أخفاه ولم يظهره لاحد، أذكر لكم موارد من هذا القبيل:

قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همّام الصنعاني

الصفحة 31
في كتاب الكامل: ولعبد الرزاق بن همّام [ هذا شيخ البخاري ]أصناف حديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمّتهم وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلاّ أنّهم نسبوه إلى التشيّع، وقد روى أحاديث في الفضائل ممّا لا يوافقه عليها أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الاحاديث، ولما رواه في مثالب غيرهم ممّا لم أذكره في كتابي هذا، وأمّا في باب الصدق فأرجو أنّه لا بأس به، إلاّ أنّه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير(1) .

وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ـ الحافظ الكبير ـ يقول ابن عدي: سمعت عبدان يقول: وحمل ابن خراش إلى بندار جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم.

فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟

قال ابن عدي: فأمّا الحديث فأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب(2) .

فالرجل ليس بكاذب، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي أو راجعتم تذكرة الحفّاظ للذهبي، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب، ويتهجّم على ابن خراش ويشتمه ويسبّه سبّ الذين

____________

(1) الكامل في الضعفاء 6 / 545.

(2) الكامل في الضعفاء 5 / 519.

الصفحة 32
كفروا(1) .

ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة، وذلك، لانّ هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل، ويعتمدون على آرائه في ردّ الراوي أو قبوله، أذكر لكم مورداً واحداً، يقول ابن خراش بترجمة عبدالله بن شقيق، وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول: قال ابن خراش: كان ـ عبدالله بن شقيق ـ ثقة وكان عثمانياً يبغض عليّاً(2) .

فابن خراش ليس بشيعي، لانّه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنّه كان عثمانيّاً يبغض عليّاً.

فلا يتوهّم أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة، بل هو من أعلام أهل السنّة ومن كبار حفّاظهم، إلاّ أنّه ألّف جزئين في مثالب الشيخين.

مورد آخر في كتاب العلل لاحمد بن حنبل، قال أحمد: كان أبو عوانة [ الذي هو من كبار محدّثيهم وحفّاظهم، وله كتاب في الصحيح اسمه: صحيح أبي عوانة ] وضع كتاباً فيه معايب أصحاب

____________

(1) سير أعلام النبلاء 13 / 509، تذكرة الحفاظ 2 / 684، ميزان الاعتدال 2 / 600.

(2) تهذيب التهذيب 5 / 223.

الصفحة 33
رسول الله، وفيه بلايا، فجاء سلاّم بن أبي مطيع(1) فقال: يا أبا عوانة، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه، فأخذه سلاّم فأحرقه(2) .

ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبدالرحمن بن مهدي(3) قال: فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله(4) .

فهذا يستغفر الله من أنّه نظر في هذا الكتاب، والشخص الاخر جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا.

مورد آخر: ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الاشقر: أنّ أحمد بن حنبل حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب [ فهو حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب ] فقيل له: إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر، وإنّه صنّف باباً في معايبهما، فقال: ليس هذا بأهل أنْ يحدَّث عنه(5) !

أوّلاً:

أين ذاك الباب الذي اشتمل على هذه القضايا ؟ ولماذا لم يصل إلينا ؟

وثانياً:

إنّه بمجرَّد أنْ علم أحمد بن حنبل بأنّ الرجل

____________

(1) الامام الثقة القدوة، من رجال الصحيحين. سير أعلام النبلاء 7/428.

(2) كتاب العلل والرجال 1 / 60.

(3) الامام الناقد المجوّد سيد الحفاظ. سير أعلام النبلاء 9 / 192.

(4) كتاب العلل والرجال 3 / 92 الطبعة الحديثة.

(5) تهذيب التهذيب 2 / 291.

الصفحة 34
يحدّث في الشيخين، وبأنّه صنّف مثل هذه الاحاديث في كتاب، سقط من عين أحمد وأصبح كذّاباً لا يعتمد عليه ولا يروى عنه !

مورد آخر: في ميزان الاعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن زهير الكوفي: قال أبو حاتم: روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه(1) .

روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه، فراحت تلك الروايات.

وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب.

ثمّ إنّهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح، ذكروا أنّه كان يشتم أبا بكر وعمر، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبدالرحمن السُدّي(2) ، وبترجمة تليد بن سليمان(3) ، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي(4) ، وغير هؤلاء.

ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شيء أو أشياء، ممّا

____________

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 27.

(2) تهذيب التهذيب 1 / 274.

(3) تهذيب الكمال 4 / 322.

(4) تهذيب التهذيب 2 / 82 ـ 83.

الصفحة 35
أدّى وسبّب في أنْ يجوّزوا لانفسهم أن يشتموا ويسبّوا ؟ وأين تلك القضايا وماهي ؟

وأمّا ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفّاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية، فكثير جدّاً، وأعتقد أنّه لا يحصى لكثرته.

ولقد فشى وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث، يقول زائدة بن قدامة ـ ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث ـ: متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ؟!(1) .

وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة، جاء أحدهم ـ وهو الحافظ المحدّث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي ـ فألّف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه، فلمّا سئل عن ذلك، قال بلفظ العبارة: إنّما قصدت كفّ الالسنة عن لعن الخلفاء(2) .

حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في شرح المقاصد ما نصّه: فإن قيل: فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك

____________

(1) تهذيب التهذيب 3 / 264.

(2) سير أعلام النبلاء 21 / 161.

الصفحة 36
ويزيد ؟ قلنا: تحامياً عن أن يرتقى إلى الاعلى فالاعلى(1) .

حتّى جاء كتّاب عصرنا، فألّفوا في مناقب يزيد، وألّفوا في مناقب الحجّاج، وألّفوا في مناقب هند !!

وإنّي أعتقد أنّهم يعلمون بأنّ هذه المناقب والفضائل، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم، كلّه كذب، وإنّ هؤلاء يستحقّون اللعن، إلاّ أنّ الغرض هو إشغال الكتّاب والباحثين والمفكّرين وسائر الناس بمثل هذه الاُمور، ولكي لا يبقى هناك مجال لان يرتقى إلى الاعلى فالاعلى.

ومن هنا نفهم: إنّ محاربتهم لقضايا الحسين (عليه السلام)ومحاربتم لمآتم الحسين (عليه السلام) ولقضايا عاشوراء، كلّ ذلك، لئلاّ يلعن يزيد، ولئلاّ ينتهى إلى الاعلى فالاعلى.

____________

(1) شرح المقاصد 5 / 311.

حقاد قريش وبني أُميّة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
المطلب الثامن: وأهل بيته (عليهم السلام)
وهنا ننقل بعض الشواهد على أحقاد قريش وبني أُميّة بالخصوص، وضغائنهم على النبي وأهل البيت، حتّى أنّهم كانت تصدر منهم أشياء في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولمّا لم يتمكّنوا من الانتقام من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذات، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللهمّ إنّي أستعديك على قريش، فإنّهم أضمروا لرسولك (صلى الله عليه وآله وسلم) ضروباً من الشر والغدر، فعجزوا عنها، وحُلت بينهم وبينها، فكانت الوجبة بي والدائرة عليّ، اللهمّ احفظ حسناًوحسيناً، ولا تمكّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً، فإذا توفّيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت على كلّ شيء شهيد»(1) .

فيقول أمير المؤمنين: إنّ قريشاً أضمروا لرسول الله ضروباً من

____________

(1) شرح نهج البلاغة 20 / 298.

الصفحة 38
الشر والغدر وعجزوا عنها، والله سبحانه وتعالى حال بينه وبين تلك الشرور أن تصيبه، إلى أنْ توفّي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانت الوجبة بأمير المؤمنين والدائرة عليه، كما أنّه في هذا الكلام يشير بأنّ قريشاً ستقتل الحسن والحسين أيضاً انتقاماً من النبي.

وقال (عليه السلام) في خطبة له: «وقال قائل: إنّك يا ابن أبي طالب على هذا الامر لحريص، فقلت: بل أنتم ـ والله ـ أحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنّما طلبت حقّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه، فلما قرّعته بالحجة في الملا الحاضرين هبّ كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به.

اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي، ثم قالوا: ألا إنَّ في الحق أنْ تأخذه وفي الحق أن تتركه»(1) .

وفي كتاب له (عليه السلام) إلى عقيل: «فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي إجماعهم على حرب رسول الله قبلي، فجزت قريشاً عنّي الجوازي، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن

____________

(1) نهج البلاغة، الخطبة: 172.

الصفحة 39
أُمّي»(1) .

وروى ابن عدي في الكامل في حديث: فقال أبو سفيان: مثل محمّد في بني هاشم مثل ريحانة وسط نتن، فانطلق بعض الناس إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبروا النبي، فجاء (صلى الله عليه وسلم) ـ يعرف في وجهه الغضب ـ حتّى قام فقال: «ما بال أقوال تبلغني عن أقوام» إلى آخر الحديث.

هذا في الكامل لابن عدي(2) بهذا النص، والقائل أبو سفيان.

وهو بنفس السند واللفظ موجود أيضاً في بعض المصادر الاُخرى، إلاّ أنّهم رفعوا كلمة: «فقال أبو سفيان»، ووضعوا كلمة: «فقال رجل».

لاحظوا مجمع الزوائد(3) .

وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: أتى ناس من الانصار إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: إنّا نسمع من قومك، حتّى يقول القائل منهم إنّما مثل محمّد مثل نخلة نبتت في الكبا(4) .

والكبا الارض غير النظيفة.

____________

(1) شرح نهج البلاغة 16 / 151.

(2) الكامل في الضعفاء 3 / 28.

(3) مجمع الزوائد 8/215.

(4) مجمع الزوائد 8 / 215.

الصفحة 40
لكن هذا الحديث أيضاً في بعض المصادر محرّف.

ثمّ إنّ السبب في هذه الضغائن ماذا ؟ ليس السبب إلاّ أقربية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فينتقمون منه انتقاماً من النبيّ، مضافاً إلى مواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحروب وقتله أبطال قريش، وهذا ما صرّح به عثمان لامير المؤمنين في كلام له معه عليه الصلاة والسلام، أذكر لكم النص الكامل.

ذكر الابي في كتاب نثر الدرر ـ وهو كتاب مطبوع موجود ـ وعنه أيضاً ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابن عباس قال: وقع بين عثمان وعلي كلام، فقال عثمان: ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب(1) .

هذه هي الاحقاد والضغائن، ولم يتمكّنوا من الانتقام من رسول الله، فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هو (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهكذا توالت القضايا، انتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين، وانتقموا، وانتقموا، إلى يوم الحسين (عليه السلام) وبعد يوم الحسين (عليه السلام).. وإلى اليوم....

____________

(1) شرح نهج البلاغة 9 / 22.

الصفحة 41
المطلب التاسع: في بعض ما كان منهم مع علي والزهراء (عليهما السلام)
أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت، والقضايا التي وقعت، ومن الطبيعي أنْ لا يصلنا كلّ ما وقع، وأنْ لا تصلنا تفاصيل الحوادث، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والاحاديث، ومع ملاحقة المحدثين والرواة، ومع منعهم من نقل الاحاديث المهمة، وحتى مع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأيّ شكل من الاشكال.

فإذن، من بعد هذه القرون المتطاولة، ومن بعد هذه الحواجز والموانع، لا نتوقّع أنْ يصل إلينا كلّ ما وقع، وإنّما يمكننا العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدّثين وبعض

الصفحة 42
المؤرخين.

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبر أهل بيته بأنّ الاُمّة ستغدر بهم، وأنّهم سيظهرون ضغائنهم من بعده، وسينتقمون منه أي: سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته، لانّها بضعته، والانتقام من الزهراء انتقام من النبي، وإنّما أبقاها هذه البضعة في هذه الاُمّة ليختبر الاُمّة، وليظهروا ما في ضمائرهم.

ولم تطل المدة، فقد وقع الاختبار، وكانت المدة على الاشهر أشهُر، ثمّ عادت البضعة إلى رسول الله واتّصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف، وكلّ ذلك وقع.

ولكنّنا لا نتوقّع أنْ نعثر على كلّ تفاصيل تلك القضايا، وحتّى لو عثرنا على الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقيّة.

لقد رأيتم كيف يحرّفون الروايات، حتّى تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حقّ النبي رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الاسم كلمة قال رجل، فكيف تتوقّعون أنْ يروي لنا الرواة كلّ ما حدث بعد رسول الله، أو يتمكّن الرواة من نقل كلّ ما حدث ؟

وبالرغم من ذلك الحصار الشديد، ومن ذلك المنع الاكيد،

الصفحة 43
ومن ذلك الارعاب والتهديد، مع ذلك، تبلغنا أطرافٌ من أخبار ما وقع.

ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلاّ من أهم مصادر أهل السنّة، ولا نتعرّض لِما ورد في كتبنا أبداً، وحتّى أنّا ننقل ـ قدر الامكان ـ عن أسبق المصادر وأقدمها، فلا ننقل في الاكثر والاغلب عن الكتب المؤلَّفة في القرون المتأخّرة.

فهنا مسائل:

الصفحة 44
الصفحة 45
المسألة الاُولى مصادرة ملك الزهراء (عليها السلام) وتكذيبها
وإنّنا نعتقد بأنّ تكذيب الزهراء (عليها السلام) من أعظم المصائب، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أنّ أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين (عليه السلام)قرأ جملة: «دخلت زينب على ابن زياد» وأراد أن يشرح ذلك الموقف، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية، قال: لانّا نريد أن نؤدّي حقّ هذه الجملة: «دخلت زينب على ابن زياد» وهذه مصيبة، وما أعظمها !! دخلت زينب على ابن زياد !!

مجرّد تكذيب الزهراء سلام الله عليها وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها، ليست القضية قضية فدك، ليست المسألة مسألة أرض وملك، إنّما القضية ظلم الزهراء سلام الله عليها وتضييع حقّها، وعدم إكرامها، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها، ولاحظوا خلاصة

الصفحة 46
القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة:

أوّلاً:

لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ رسول الله أعطى فاطمة فدكاً، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة.

وهذا الامر موجود في كتب الفريقين.

أمّا من أهل السنة: فقد أخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لمّا نزلت الاية (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاطمة فأعطاها فدكاً.

وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس.

تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في الدر المنثور(1) .

ومن رواته أيضاً: الحاكم، والطبراني، وابن النجار، والهيثمي، والذهبي، والسيوطي، والمتقي وغيرهم.

ومن رواته: ابن أبي حاتم، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة على أنّه خال من الموضوعات(2) ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيميّة خال من

____________

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 177.

(2) منهاج السنّة 7 / 13.

الصفحة 47
الموضوعات، فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر.

وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه (صلى الله عليه وآله وسلم) للزهراء البتول، غير واحد من أعلام العلماء، ونصّوا على هذا المطلب، منهم: سعد الدين التفتازاني، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق، يقول صاحب الصواعق: إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً(1) .

فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر.

فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلاً بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً، فهلاّ كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟

وثانياً:

لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة على كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف القاعدة، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على كونها مالكة لفدك، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله عليه، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا: كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه !

لاحظوا كتبهم، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر

____________

(1) الصواعق المحرقة: 31.

الصفحة 48
يقولون: لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد(1) .

نقول: لكنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل شهادة الواحد ـ وهو خزيمة ذو الشهادتين ـ وخبره موجود في كتب الفريقين، بل إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبدالله بن عمر، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنّه في جامع الاصول لابن الاثير: قضى بشهادة واحد وهو عبدالله بن عمر(2) .

أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبدالله بن عمر في نظر النبي ؟

وثالثاً:

لو سلّمنا حصول الشك لابي بكر، وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّ طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشاهد ويمين.

راجعوا صحيح مسلم في كتاب الاقضية(3) ، وراجعوا صحيح أبي داود(4) بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على

____________

(1) شرح المواقف 8 / 356.

(2) جامع الاصول 10/557.

(3) صحيح مسلم 5 / 128.

(4) صحيح أبي داود 3/419.

الصفحة 49
النبي، كما في كتاب الخلافة من كنز العمّال.

وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها: لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين(1) .

نقول: فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟

وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء، بغضّ النظر عن عصمة علي (عليه السلام)، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الاقضية.

وأيضاً، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين، وشهد للزهراء أيضاً أُم أيمن، ورسول الله يشهد بأنّها من أهل الجنّة، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الاصابة لابن حجر(2) .

ثمّ نقول: سلّمنا، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين، وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام الله عليها في حياة النبي، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام، أليس كذلك ؟! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول الله، تنزّلنا عن كونها معصومة، لا

____________

(1) شرح المواقف 8 / 356.

(2) الاصابة في معرفة الصحابة 4 / 432.

الصفحة 50
إشكال في أنّها من الصحابة، وقد كان لاحد الصحابة قضية مشابهة تماماً لقضيّة الزهراء، وقد رتّب أبو بكر الاثر على قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه.

هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها، عن شهادة علي والحسنين وأُم أيمن، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي.

استمعوا إلى القضية أنقلها لكم، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية:

أخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله الانصاري: إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين، وعنده جابر، قال جابر لابي بكر: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم)قال لي: إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثمّ حثوت لك، فقال أبو بكر لجابر: تقدّم فخذ بعددها.

فنقول: رسول الله ليس في هذا العالم، يدّعي جابر أنّ رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لاعطيتك من ذلك المال كذا وكذا، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله، وأبو بكر خليفة رسول الله، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له: إنّ رسول الله قال لي كذا، ورتّب أبو بكر الاثر على قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد.

هذه هي القضية، وتأمّلوا فيها، وهي موجودة في الصحيحين.

الصفحة 51
فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري، كيف يجوز لابي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول الله، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم، ثمّ أعطاه من مال المسلمين، من بيت المال، بقدر ما ادّعاه، ولم يطلب منه بيّنة، ولا يميناً !! لاحظوا ماذا يقولون !!

يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول: وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه، فلقوله (صلى الله عليه وسلم): «من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار»، فهو وعيد، ولا يُظنّ بأنّ مثله ـ مثل جابر ـ يقدم على هذا(1) .

فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء، ويكذب على رسول الله، بل بالعكس، تظنّون كونه صادقاً في دعواه، فهلاّ ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء ـ بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا ـ وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !

ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول: وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو [ لو هذه وصلية ]جرّ ذلك نفعاً لنفسه(2) .

__
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
**كتاب مظلومية الزهراء ع للسيد علي الحسيني الميلاني** (المطلب الاول عند الله وعندالرسول)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الزهراء :: شذرات من سيرة فاطمة الزهراء :: شذرات مضيئة-
انتقل الى: